نُشِر في Apr 20, 2025 at 11:04 AM
منذ إطلاق النموذج الصيني المفتوح المصدر للذكاء الاصطناعي التوليدي "ديب سيك (DeepSeek)"،
ذو التكلفة المنخفضة جدًا مقارنةً ببقية نماذج الذكاء الاصطناعي المعروفة، والعالم الرقمي في حالة تخبط كبيرة، فالنموذج R1 الذي أطلقته الشركة كان بمثابة العاصفة التي هزت عرش شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي العالمية مثل شات جي بي تي (ChatGPT) من أوبن آي إيه (OpenAI) وجروك (Grok) من إكس أي ايه (xAI)، لم يتوقف الأمر على منافسة منتجات الشركات الكبرى، بل تحول ليصبح رمزًا لنهضة صينية، لا بل آسيوية، في مجال الذكاء الاصطناعي، وفتح الأبواب على مصرعيها أمام سباق رقمي جديد تقوده آسيا نحو الريادة التقنية.
بدايةً، مختبر ديب سيك كان على يد ليانغ ونفنغ في مقره في مدينة هانغتشو الصينية في العام 2023، وهو خريج جامعي من جامعة تشجيانغ ومؤسس مشارك في صندوق التحوط الكمي هاي فلاير (High-Flyer) الذي يملك الشركة، وبالرغم من كون عمر الشركة قليل نسبيًا بالمقارنة بعمر الشركات الرائدة فهي لا تتجاوز العامين، إلا أنّ إنجازاتها سرعان ما وضعتها في صفوف اللاعبين الكبار، حيث بدأت كشركة ناشئة بإطلاق نماذج مخصصة للبرمجة.
لكنها تمكنت من تطوير قدرات نماذجها بسرعة فائقة وبدأت تطلق نماذج متعددة الأغراض بتكلفة أقل، من أبرزها نموذجين هما DeepSeek-V3 وDeepSeek-R1، صعد النموذج R1 سريعًا بعد أن استطاع التغلب على نتائج شات جي بي تي في معيار الاستدلال المنطقي وحقق درجة أعلى في أداء اختبارات المنطق الرياضي وتقديم حلول مبتكرة عند تطبيقه في مجالات عدة ليصبح في دائرة الضوء.
لعل الفرق الجوهري بين ديب سيك ومنافسيها هو الفلسفة لا التقنيات، ففي الوقت الذي تعمل فيه كبرى الشركات مثل OpenAI على تقديم خدمات ذكاء اصطناعي برسوم اشتراك مرتفعة، تُوفر ديب سيك نموذجًا مفتوح المصدر ومتاحًا للجميع بشكل مجاني، وتشير الدراسات إلى أنّ كلفة تطويره لم تتجاوز الـ 6 ملايين دولار، وذلك كان السبب الذي جعل الكثير من الدول تحارب أعمال الشركة، فهي تُشكل تهديدًا حقيقيًا لنماذج أعمال البقية.
عند الحديث عن ديب سيك لا يُنظر للأمر على أنّه مجرد تطبيق لمجموعة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتوليد نموذج مساعد للمستخدم في الإجابة على الأسئلة المعقدة أو توليد النصوص وتنفيذ المهام اليومية، بل إلى شيء أكبر بكثير، كمؤشر يُنذر بخطر جيوسياسي في لعبة الكبار، فالحرب الصينية الأمريكية ليست خفية على أحد ولعلها في هذه الفترة في أوجها مع عودة الرئيس ترامب إلى سدة الرئاسة وفرض الرسوم الجمركية الخيالية على الواردات الصينية، والتقنية لن تكون بمعزل عن هذه الحرب، الغرب بدأ يخشى من التطور في الشرق، بكين مثلًا لا يمكن اعتبارها اليوم مجرد دولة تتلقى التقنيات الغربية، بل باتت دولة منتجة ومصدّرة لها.
انطلاق ديب سيك لا يمكن اعتباره مجرد انطلاقة لشركة تقنية ناشئة بل يمكننا تشبيهه بلحظة سبوتنيك عصرية، تلك اللحظة التي فرضت على الولايات المتحدة الأميركية إعادة هيكلة كافة عملياتها وخططها في السباق نحو الفضاء بعد التقدم الكبير الذي أحرزه الاتحاد السوفيتي في خمسينات القرن الماضي، في هذه الأيام، تشهد القارة الآسيوية لحظة عالمية مماثلة، لكن هذه المرة في قطاع الذكاء الاصطناعي.
إذ أطلقت العديد من الحكومات في آسيا مبادرات داعمة للمجال، الحكومة والمؤسسات البحثية في سنغافورة مثلًا بدأت بتبني سياسات تهدف لتعزيز التعاون الإقليمي عبر مشروع SEA-LION الهادف لتطوير نموذج لغوي باللغة الخميرية المحلية، كذلك في كمبوديا، وقّع منتدى الذكاء الاصطناعي مذكرة تفاهم تتعاون فيها كمبوديا مع سنغافورة لتسريع تطوير نموذج لغوي آسيوي، يُعد الأول من نوعه في المنطقة.
لكن السؤال الأهم هنا هل تستطيع آسيا منافسة وادي السيليكون؟ كان لداريوس ليو، رئيس الشراكات في برنامج الذكاء الاصطناعي السنغافوري، تصريحات هامة تدعم هذا الموضوع، فهو شرح أهمية الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر وشبهه بالبوابة السحرية للسيادة التقنية في العالم اليوم، معللًا ذلك بأنّه بدل من الاعتماد على نموذج غربي باهظ الثمن، يمكن الآن لدول آسيا الاعتماد على نماذجها الخاصة ذات التكاليف الأقل والاستقلالية الأكبر.
تقدم دورات ذكاء اصطناعي في القاهرة فرصة مميزة لفهم أكبر لأحدث الخوارزميات والتطبيقات والتقنيات المستخدمة في هذا المجال المتسارع، تُركز هذه الدورات التي يقدمها مركز لندن بريمير سنتر على مختلف الجوانب النظرية والتطبيقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التعلم الآلي وتحليل البيانات، وهي تهدف إلى تأهيل جميع المشاركين من خريجي الجامعات والمهنيين للاستخدام الأمثل لهذه التكنولوجيا في سوق العمل وتحقيق النجاح، مما يجعلها خيارًا مثاليًا لكل من يرغب بمواكبة أحدث التطورات التقنية.
لا تخلو مسيرة ديب سيك من التحديات والعقبات، فقد تعرضت الشركة لهجمات قرصنة في شهر يناير 2025، بالتزامن مع تجاوز تطبيقها لتطبيقات منافسيه في عدد التنزيلات على المتاجر الإلكترونية، بالإضافة إلى مواجهة موجة من الغضب العالمي بعد أن تحدثت الأخبار عن تسريب شركة ديب سيك الصينية لكمية هائلة من بياناتها الداخلية، والتي أثارت الكثير من المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمن المعلوماتي للمستخدمين، خاصةً أنّ جميع خوادم الشركة تقع داخل الصين، الأمر الذي يزيد من الشكوك حول مدى الرقابة الحكومية لتلك البيانات الخاصة.
وقد نتج عن ذلك حظر استخدام ديب سيك (DeeSeek) في العديد من الدول والمؤسسات الكبيرة، من بينها الهند وإيطاليا ووكالة ناسا والبنتاغون الأمريكي، وقد هددت الحكومة الأمريكية بحظر الوصول للتطبيق من ضمن أراضيها، إلا أنّ الكثير من المحللين قد عزو ذلك إلى المنافسة والحرب الباردة التي تخوضها كلً من الصين والولايات المتحدة الأمريكية في محاولة من الجانب الأميركي لخفض التمدد الصيني عالميًأ.
في ظل كل هذه التطورات، يبدو أن ديب سيك ليس سوى بداية مسار صيني جديد يسعى إلى إنهاء احتكار مختبرات الذكاء الاصطناعي، فالشركات الناشئة في آسيا، أصبحت قادرة على الخوض في هذا السباق بشجاعة وثقة بفضل النماذج المفتوحة والتكلفة التشغيلية المنخفضة دون الحاجة إلى استثمار ضخم أو مركز بيانات عملاق، فقط ذكاء ورؤية واضحة.
ختامًا،
استطاع نموذج ديب سيك إثبات أنّ الابتكار والتطور لا يُقاس بالحجم، بل بالرؤية والجرأة، وسيظل السؤال الأبرز اليوم: هل نشهد حقبة جديدة تكون فيها آسيا في صدارة أسواق الذكاء الاصطناعي عالميًا، من بوابة ديب سيك؟