نُشِر في Sep 08, 2023 at 08:09 AM
أصبح موضوع الاستدامة المالية في الجامعات والتميز التشغيلي لها وتقليل الإنفاق من أكثر الأمور حضورًا على طاولة نقاش تلك المؤسسات اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى،
وذلك نظرًا للتحديات الكثيرة التي يواجهها الاقتصاد العالمي والمحلي انطلاقًا من التحديات الاقتصادية إلى التهديدات التي تُنذر بتقلص عدد الطلاب التقليديين وانتقال معظمهم إلى التعلم الرقمي، جميعها مخاطر تزيد من صعوبة المحافظة على نموذج مالي مستدام.
في مقالنا التالي، سوف نناقش أشهر تلك التحديات مع توضيح الحلول والاستراتيجيات التي يلزم تطبيقها للحد منها، تابع معنا.
انطلاقًا من مفهوم مصطلح الاستدامة المالية العام الذي يشير إلى قدرة الشركات والمؤسسات غير الربحية على الاستمرار في تقديم خدماتها وتنفيذ عملياتها لفترة طويلة دون الحاجة إلى طلب التمويل، يمكن تعريف الاستدامة المالية في الجامعات (Financial Sustainability in Universities) على أنّها قدرة الجامعة على الاستمرار والبقاء في المستقبل المنظور دون طلب التمويل من الجهات الحكومية أو المانحين من خلال اغتنام الفرص وتحديد التهديدات التي تعيقها بذلك لضمان الوفاء بالتزاماتها والبقاء في المنافسة.
لكن في أيامنا هذه يبدو أن الجامعات تتعرض للكثير من التهديدات والتحديات من زوايا متعددة، حيث يعد نقص التمويل الحكومي والحالة التنافسية الشديدة للجامعات والاعتماد على مصدر واحد للدخل أشهر العوامل المساهمة في مشاكل عدم الاستدامة المالية في مؤسسات التعليم العالي.
تزيد بعض العوامل الأخرى من فرص عدم تحقيق استدامة مالية فعالة بالجامعات، مثل معدلات التسجيل المنخفضة في الجامعات وخدمة العملاء السيئة وعدم استغلال كامل مواردها وتهالك المباني ونوعية الطعام الرديئة، ناهيك عن سوء التنسيق والتواصل الداخلي ضمن المؤسسة ونقص مهنية الموظفين وزيادة الأعداد غير الفعالة منهم والإدارة السيئة لهم.
علاوةُ على ذلك، يشكل الاعتماد على الرسوم الدراسية فقط للتمويل وانخفاض معدلات المواليد الذين سوف يسجلون مستقبلًا في تلك الجامعات وانخفاض الطبقة المتوسطة القادرة على تسجيل أبنائها في الجامعات الخاصة عوامل إضافية من شأنها التأثير على الاستدامة المالية في الجامعات.
في ضوء إيجاد حلول للعوائق التي تقف في وجه تحقيق استدامة مالية فعالة يجب إيجاد المزيد من الفرص لجني المزيد من الأموال، يتم ذلك بواسطة اتباع السياسات والاستراتيجيات التالية:
غالبًا ما كان المنهج المعتمد في معظم المؤسسات غير الربحية هو أنّها تسعى لجني الأموال التي تحتاجها للاستمرار في تنمية أعمالها من خلال تلقي تبرعات من شركاء المشروع أو بالشراكة مع الأشخاص المانحين، وباستخدام التمويل الحكومي أو بعض عملياتها الذاتية التي قد تعود ببعض الإيرادات، لكن جميع تلك الممارسات لا تعتمد على تحليل احتياجات الأموال الاستثمارية.
أي أنَّ هذا الكلام لا ينفع أي جامعة أو كلية ترغب بالاستمرار والاستدامة في القرن الحادي والعشرين في ظل بيئة مالية متغيرة باستمرار، إذ تزداد الحاجة للتركيز على إجراءات تحليل الاحتياجات المالية والتخطيط الاستراتيجي الأمثل وفقا للبيانات المتاحة، وذلك لاتخاذ قرارات مالية مستنيرة ذات جودة عالية.
يتوجب على الجامعات أيضًا أن تعمل على تقييم حاجاتها وإمكانياتها من رصد وتحليل تجارب وممارسات بعض الجامعات من أجل معرفة الحدود الدنيا من الأموال التي تلزم لأداء كل مهمة، إذ أنّه مع ازدياد النمو الاقتصادي يزداد عدد المهام اليومية التي يلزم إتمامها وينتهي الأمر بتجاهل الأهداف بعيدة الأجل، لذا ينبغي على القادة التخطيط الاستراتيجي بشأن تخصيص الأموال المتاحة وطرق استخدامها للمساعدة في وضع وتحقيق أهداف الجامعة ومهامها وتقديمها بشكل واضح.
بالإضافة إلى دراسة وتحديد أولويات إجراءات التنفيذ التي يجب اتخاذها لتحقيق تلك الأهداف، وهذا يجعل التخطيط الاستراتيجي ذو أهمية كبيرة للغاية للاستدامة المالية لأي منظمة غير ربحية.
لطالما كان جمع كل البيض ﻓﻲ سلة واحدة أمرًا محفوفًا بالمخاطر، بمعنى أوضح عند الاعتماد على مصدر واحد للدخل أو التمويل قد يعني حتمية الفشل عند توقف أو تخلف ذلك المصدر عن الوفاء بالتزاماته.
من الأمثلة على ذلك الجامعات التي تعتمد على الرسوم الجامعية فقط لتمويل عملياتها فإنّهم سيئون ماليًا وعرضة بشكل كبير لأزمة مالية كبيرة والمخاطرة بسمعتها.
في إطار ذلك، يجب أن يُرشد ذلك التحذير المسؤولين لإيجاد عددًا من المصادر المختلفة للتمويل وأن يمتلكوا تصور واضح عن حالة المصادر الحالية الممولة، مع بيان خطة الطوارئ المعتمدة عند فشل أحد المصادر.
إدارة الموارد المالية أمر حاسم في تحقيق الاستدامة المالية مثله مثل معرفة كيفية الحصول على تلك الموارد، لذا من واجب اﻹدارة إبراز قوتها في تطوير استراتيجية تطبيقية سلسة لإدارة الأموال الممنوحة للجامعة وسبل صرفها داخل الجامعة وخارجها.
بذلك تحتاج المؤسسات اللاربحية إلى اتخاذ إجراءات وممارسات محاسبية ملائمة تكون قادرة على تقديم تقارير شفافة وصريحة لأصحاب القرار المالي (الممولين) لمقارنة التنبؤات بالأهداف المحققة وتتبع النتائج الفعلية مقابل التمويل المقدم من قبلهم وتقبل النقد.
يتوقع من المؤسسات الغير ربحية، بما فيها الجامعات، البحث عن مصادر مختلفة للتمويل وعدم الاعتماد على تمويل المساهمين فقط، لذا يتوجب على رؤساء الجامعات ممارسة دورهم المساعد في إيجاد طرق مبتكرة للحصول على التمويل من داخل الجامعة أو الاستثمار بمصدر خارجي لتلبية متطلبات العمليات التعليمية والبحثية.
يمكن تحقيق ذلك من خلال جمع الهبات أو المساهمات من الصناديق الائتمانية أو التبرعات للعمليات والمباني الجامعية، كذلك عن طريق المساهمات العامة والاستثمار في الإدارة المالية الجيدة.
يعد حضور دورات تدريبية في الميزانية في لندن أمراً مفيداً في مساعدة الجامعات لتأمين مصادر للدخل تساعدها في إنجاز مهامها المحددة.
يهدف الاعتماد على البيانات في صنع القرار إلى تحقيق كفاءة مؤسسية مثلى وفهم التوجهات المستقبلية وتحسين فرص الاحتفاظ بالطلاب.
بعد جائحة كوفد-19 خلقت عملية التعلم عن بُعد ثروة هائلة من البيانات من خلال أنظمة إدارة التعلم، يمكن الاستعانة بتلك البيانات لتقييم وتحليل مؤشرات الأداء واتخاذ الإجراءات المناسبة لتعزيز التحسينات في العمل على الفور.
إن بقاء الجامعات اليوم يتطلب التفكير خارج الصندوق واتخاذ قرارات جريئة والاستفادة القصوى من مجال التحول الرقمي، حضور إيفنت تعظيم الموارد المالية للتعليم العالي (Maximising Financial Resources for Higher Education) من شأنه أن يحقق الغاية ويسهم في إطلاق العنان لقوة البيانات وتحليلاتها في دعم الطلاب وتحفيز الأفكار لتقديم الأفضل، بعيدًا عن المنهجيات التقليدية المستخدمة بكثرة في الجامعات والتي لن تكفي بعد اليوم.
وأخيرًا،
حقيقةً، إنّ أزمة تمويل مؤسسات التعليم العالي ليست سوى جزءًا من قضايا اجتماعية واقتصادية أكبر مرتبطة بالبطالة والفقر وعدم المساواة، في حين يستمر انكماش الاقتصاد العالمي واﻻﻗﺘﺼﺎد المحلي.
لكن رغم كل ذلك يتوجب على الجامعات ضمان استدامتها المالية لضمان وجودها ومتابعة تنفيذ أهدافها وأنشطتها ومشاريعها وبرامجها الفكرية والتعليمية.