
نشر في :11/22/2025, 8:43:31 PM
لعل قطاع النفط والغاز من أكثر القطاعات المُجزية التي تجذب رؤوس الأموال التي تبحث عن أرباح عالية ونمو سريع في وقت قصير، لكنها في الحقيقة أشبه بحقل ألغام لمن لا يُدرك مخاطرها إلا بعد فوات الأوان، إذ غالبًا ما تتضمن شروط عقود النفط الكثير من البنود الخفية التي يمكنها امتصاص الأرباح والحد من الحقوق وفتح الباب أمام نزاعات مُكلفة للغاية، وعند حديثنا عن عقود النفط فإنّها تشمل النفط والغاز والتعدين بالتأكيد.
ففي الوقت الذي قد يُغريك بريق عوائد الاستثمار، تبقى سلامتك مرهونة بمقدار فهم مخاطر عقود النفط وخفاياها، لذا سواء كنت نستثمر مُخضرم أو حديث العهد، فإنّ هذا المثال يعرفك على أهم تلك المخاطر لضمان حماية مصالحك والخوض في استثمار مستدام.
تعتبر عقود النفط من أكثر العقود الاستثمارية الآجلة تعقيدًا في عالم الأعمال، فهي عبارة عن وثائق رسمية قانونية واقتصادية توضع لرسم شكل العلاقة بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك عمليات الاستخراج والتنقيب والإنتاج وتوزيع العوائد والأرباح وتنظيم الحالات التي يتم التوقف بها أو إنهاء العمليات، ومهما بدت هذه العقود واضحة فإنّها غالبًا ما تُخفي بنودًا مبهمة أو أحادية الجانب تصب في مصلحة الشركات المُشغلة على حساب صاحب الأرض أو المستثمر.
وعلى نقيض العقود التقليدية في بقية القطاعات، فإنّ عقود النفط والغاز تتطلب تضمين بعض المعايير بشكل دقيق ضمن العقد، مثل تذبذب أسعار السلع الحاد والمخاطر التشغيلية الطارئة وتداخل اللوائح التنظيمية البيئية، وفي حال لم يتم تضمينها فإنّك كمستثمر ستجد نفسك محاصرًا في اتفاق لا يحقق آمالك الربحية ويُلقي عليك المزيد من الالتزامات غير المتوقعة، لذا فإن الإلمام الجيد في مكامن الخطورة في عقود النفط هو ما يحدد إن كان هذا العقد استثمار رابح أو نزاع قانوني مُنهك.
فيما يلي مجموعة من أهم فخاخ بنود عقود النفط القانونية التي غالبًا ما تحول الاستثمار من استثمار مثمر إلى نزاع قانوني، وهي:
الخسارة تبدأ من هنا، تعتبر مدفوعات الإتاوات القلب النابض لعقود النفط، فهي التي تضمن لملاك الأراضي والمستثمرين حصتهم من الإنتاج، وهنا يأتي دور الشركات المُشغلة في اللعب على نص العقد بإضافة نصوص مبهمة تُخفض من نصيب أولئك من عوائد الإنتاج، من خلال حساب المدفوعات على قيمة رأس البئر وليس على نقطة البيع.
ذلك الفارق قد يبدو عاديًا، لكنه في الواقع يمنح المشغلين فرصة لخصم الكثير من النفقات قبل تسليم عائدك، مثل النقل والتكرير والتسويق، في حين عندما تُحسب المدفوعات من عند نقطة البيع فهي تضمن إشراكك في كل سنت يُدفع فعليًا.
تمنح المشغل سيطرة لا محدودة، إذ تتحدد مدة نهاية تشغيل عقد النفط ضمن بنود الإنهاء، وعندما تكون هذه البنود ضبابية فإنّ صلاحيات المشغل باحتلال الأرض واستغلال الحقول تستمر، حتى في حالات الإنتاج المتدني أو غياب الجدوى من الاستثمار.
بالإضافة إلى ذلك، يجب الانتباه إلى بند "الاحتفاظ بالإنتاج"، فهو يسمح للمشغل بالاحتفاظ بحق الإيجار طالما البئر ما تزال نشطة، ما يمنع مالك الأرض من تأجيرها عند انخفاض معدلات الإنتاج إلى أطراف أخرى أكثر جدية، كذلك هناك بنود نقل العهدة وهي التي تحدد الطريقة التي يتم فيها بنقل ملكية منتج مادي، مثل نفط خام، ﻣﻦ مشغل لآخر.
لا تقتصر فخاخ عقود النفط على حدود حقوق الملكية، فهي تمتد لتشمل امتيازات تحميل المستثمرين تكاليف أخرى بصيغ مخفية، إذ يمكن أن يتفاجأ المستثمر بأنّ عليه دفع رسوم نقل أو تكاليف معالجة أو تسويق دفعة واحدة من صافي الربح خاصته، وكل ذلك يكون مُغطى ضمن بند قانوني ظاهريًأ، لكنه في الواقع بند ظالم، فهو من دون سقف واضح أو بند يضمن معقولية النفقات.
يخضع قطاع النفط والغاز إلى قوانين بيئية ومالية وتنظيمية صارمة، فإنّ أي مشكلة تتسبب بها الشركة المُشغلة قد تنعكس عقوبة مالية أو قانونية على المستثمر، لذا لا بدّ من تضمين العقد بند يُلزم المُشغل بتوفير مختلف التصاريح اللازمة ويضمن منه احترام القوانين والمعايير البيئية لضمان عدم الوقوع في مثل هذه المشكلات.
تحدد شروط حل النزاع التي يتم تضمينها ضمن بنود العقود عادةً الطريقة التي يتم التعامل بها عند حدوث نزاع، تحتوي مثل هذه البنود عادةً أحكام تفرض التحكيم الإجباري أو تحدد البلد الذي يتم القضاء وفق قوانينه الخاصة، والتي غالبًا ما تكون في مصلحة المشغل، وإن لم ينتبه لها المستثمر فإنّ يفقد فرص المقاضاة العادلة أو الاستفادة من قوانين عادلة.

لا تقف مخاطر عقود النفط على البنود فقط، بل تمتد، لا بل تسبقها إلى مرحلة التفاوض، هناك الكثير من الأخطاء الشائعة التي تتكرر في هذه المرحلة الحساسة وتؤدي إلى تدمير أرباح الشركات، ومنها:
كثيرًا ما تدخل الشركات في مفاوضات بدون خارطة أهداف محددة وواضحة، مما يسبب فقدانها لفرص جوهرية وقبولهم تسويات لا تحقق مصالحهم، لذا يجب أولًأ تحديد الأولويات والأهداف بشكل واضح ودقيق ووضع شروط غير قابلة للتنازل أو التفاوض لضمان النجاح.
عندما لا تكون متمكن من المعلومات المتوفرة بين يديك حول الطرف الآخر أو المعايير المعتمدة أو اللوائح والمتطلبات القانونية، فإنّك لن تكون في أقصى درجات قوتك التفاوضية، لذلك قم بإجراء بحث متكامل حول جميع التفاصيل ذات الصلة بالعقد وافهمها جيدًا ثم خض مفاوضاتك.
تحتوي الصياغة القانونية لعقود النفط الكثير من التفاصيل الحساسة التي لا يجب إغفالها لتجنب الوقوع في نزاعات أو التزامات غير متوقعة، لذا قم بتفنيد كل بند من بنود العقد واطلب الاستشارة من المتخصصين بالقانون لفهم الفخاخ المخفية في كل فقرة من الفقرات ولا تتردد في طلب توضيحات حولها.
عندما تحصر التفاوض في مصالح ضيقة معنية بشروط إتمام الصفقة فقط دون الأخذ بعين الاعتبار ضرورة بناء علاقة متينة مع كافة الأطراف المعنية بالعقد، فإنّك ستفقد فرص التعاونات المستقبلية، لذلك احرص على توطيد العلاقة مع الجميع وبناء مصالح مشتركة طويلة الأمد عند التفاوض على عقود النفط.
لا تستعجل في إبرام الصفقة، عندما تتفاوض بسرعة قد تغفل عن بعض التفاصيل المهمة أو تبرم عقود ضارة تدمر أرباحك، لذلك خصص وقت كافٍ لإدارة عملية التفاوض بتأنٍ وحكمة وخذ وقتك في التفكير والحصول على الاستشارات الضرورية.
في ظل كل ذلك التعقيد في عقود النفط والغاز وتشابك البُنى المالية والقانونية التي تحكم القطاع، أصبح التدريب ضرورة استراتيجية لجميع المستثمرين والمدراء التنفيذيين ومسؤولي الامتثال، ودبي تعتبر من أبرز الوجهات الإقليمية التي تُقدم برامج ودورات تدريبية متخصصة وموجهة، مثل دورات نفط وغاز في دبي، التي يقدمها مركز لندن بريمير سنتر في فرع دبي وفروعه الأخرى في لندن وباريس والقاهرة وإسطنبول وأمستردام وكوالالمبور وبرشلونة، بالإضافة إلى توفرها أونلاين لكي يصل التعليم لكل شخص حول العالم.
عقود النفط هي أساس أي استثمار مُثمر في قطاع الطاقة، لكنها في ذات الوقت حقل ألغام تدمر أرباحك بدلًا من تعظيمها، لذا احرص دائمًا على التفاوض عليها بتأنٍ ودقة وتفحص كل بند من بنودها بوعي، ليكون استثمارك اليوم ربح الغد.