نُشِر في Dec 29, 2022 at 11:12 PM
تكثر الدعوات اليوم للتقليل من حرق الغاز والتوقف عن هذه الممارسات لما لها من تأثيرات بيئية واقتصادية وصحية خطيرة.
تابع معنا لتتعرف على أبرز النقاط حول حرق الغاز ولمَ يتم وما هي أهم التأثيرات الناتجة عنه ولمَ يجب الحد أو التخلّص من استخدام أنشطة كهذه، جميع تلك النقاط سوف نتناولها في مقالنا التالي.
حرق الغاز هي عملية حرق فعلية للغاز الطبيعي الخام المصاحب للنفط في الشعلة عند استثمار النفط من مكمن طبيعي (آبار) ومعالجته في وحدات خاصة، كعامل أمان للتخلص من الغاز الزائد للعمليات الاستخراجية للنفط من حقوله، بدأت ممارسة الحرق مع بداية إنتاج البترول منذ ما يزيد عن 160 عامًا ماضيًا.
إحراق الغاز ما هو إلا إهدار لموارد طبيعية ثمينة يجب الحفاظ عليها واستخدامها لأغراض مفيدة أخرى، على سبيل المثال في توليد الطاقة أو عمليات الإنتاج، لكن تعتبر روسيا ونيجيريا أكثر الدول التي تحرق الغاز.
تفيد الدراسات إلا أنه يُهدر عالميا حوالي 150 مليار متر مكعب من الغاز كل عام، تلك الكمية كافية لتزويد منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا بالطاقة طيلة العام، لا يتوقف الأمر هنا وحسب، إذ أنّ عملية حرق الغاز تُنتج ما تُصدره 200 مليون سيارة على مدار عام من انبعاثات الكربون.
حتى يومنا هذا تعثرت الكثير من الحلول لخفض حرق الغاز وما زال مستمرًا، بسبب اعتباره الطريقة الآمنة حتى ولو كانت نتائجها مُهدرة وملوثة، لكن الأسباب الأخرى التي تنطوي خلف ذلك كثيرة، إليك ثلاثة منها:
واحد من أهم الأسباب المؤدية إلى حرق الغاز، إذ تتطلب عمليات استخراج الغاز والنفط ومعالجتها التعامل مع مستويات مرتفعة للضغوط والتي يمكن أن تتغير في أي ثانية بشكل استثنائي.
قد يسبب ارتفاع مفاجئ للضغط أثناء عملية استخراج البترول الخام انفجارًا، في حين أنّ الحوادث النفطية غالبًا ما تحدث، إلا أنّها من الممكن أن تسبب حرائق هائلة مدمرة وخطيرة من الصعب السيطرة عليها واحتوائها.
يسمح الحرق للمشغلين تخفيض والتحكم في التغيرات الكبيرة وغير المتوقعة للضغط، وضغط معداتهم من خلال حرق أي غازات زائدة.
في بعض الحالات، توجد حقول استخراج النفط في الأماكن البعيدة والنائية التي يصعب الوصول إليها، وقد لا تُنتج هذه الحقول كميات كبيرة أو منتظمة من الغاز المرافق، لذا من الناحية الاقتصادية واللوجستية فإن حرق هذه الغازات أفضل من نقلها ومعالجتها واستخدامها.
من الأمور الأخرى، إن كانت بعض الحقول المُنتجة للنفط صغيرة ومنتشرة بشكل متباعد على مساحات كبيرة، فإنّ عملية التقاط الغازات المصاحبة واستخدامها تكون ذات تكاليف باهظة، من المستحسن التخلص منها.
وفي بعض الحالات التي لا يمكن الاستفادة من الغاز وكانت تسمح الطبيعة الجيولوجية للمنطقة بإعادة حقن الغاز مجددًا في البئر، من الممكن ذلك، ولكن ذلك ليس ممكن دائمًا بالرغم من التطور التكنولوجي وتطبيق تقنيات حديثة خلال السنوات الماضية.
يوجد بعض الحالات التي يُمنع فيها استخدام أو بيع الغاز المصاحب من قبل الشركات المشغلة، مثلًا عندما تكون الشركة تمتلك حقوق لاستخراج النفط لكنها لا تتمتع بأي صلاحية للاستفادة من الغاز المُنتج مع عملية الاستخراج، تلجأ الشركة حينها لحرق الغاز.
قد لا تُفصل اللوائح القانونية طريقة التعامل التجاري للغاز المرافق الأمر الذي يخلق بعض الغموض حول كيفية معالجة هذا الغاز.
بالنسبة للعقوبات المفروضة من بعض الدول والمنظمات على الشركات العاملة في صناعة النفط والغاز والتي تقوم بحرق الغاز، قد لا تكون عامل ردع فعال في كثير من الأحيان، وذلك لكون الغرامات المدفوعة من قبلها أقل تكلفة وأجدى اقتصاديًا من التقاط الغاز ومعالجته.
تتعدد الآثار المترتبة على حرق الغاز، وتحظى باهتمامًا دوليًا كبيراً للحد منها، تُلاحظ هذه التأثيرات بشكل كبير في البلدان النامية، مثل ليبيا ونيجيريا، إلا أنّ ارتداداتها على الإنسان والاقتصاد والبيئة يؤثر على العالم ككل بشكل عام وأصبحت مصدر قلق.
يساهم حرق الغاز وتنفيسه في زيادة إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان وغازات أخرى نتيجة الاحتراق، الأمر الذي ينعكس بدوره على الاحتباس الحراري والتغير المناخي وما له من دور في زيادة الأضرار البيئية السلبية المؤثرة على جودة وصحة البيئة المحيطة بمنطقة الحرق بشكل خاص، والنظام البيئي ككل بشكل عام.
الميثان وثاني أكسيد الكربون هما أهم الغازات الدفيئة المسببة للاحترار، في الواقع يعد الميثان أكثر ضررًا وانتشارًا في الشعلات التي تحرق بكفاءة قليلة، عند أخذ التأثير لأكثر من مائة عام فإن احتمال الاحترار كل واحد كيلوغرام من الميثان يبلغ 21 ضعف للكيلوغرام من Co2.
كما ذكرنا سابقًا، يسبب الحرق تأثيرات محلية أكبر على المنطقة القريبة، على سبيل المثال يزيد من فرصة حدوث الأمطار الحمضية وما يتبعها من آثار على كل من الزراعة والغابات والبنى التحتية الأخرى كتلوث المياه والتربة وتآكل الأسطح.
غالبًا ما يشكون السكان المحليين المقيمين قرب منشآت أو مصانع الإنتاج من مشاكل تنفسية متمثلة بالربو أو التهاب الشعب الهوائية.
بالإضافة إلى ذلك أشارت الدراسات إلى وجود ما يزيد عن 250 مادة سامة ناتجة عن الحرق، منها الـ بنزوبيرين والبنزين وثاني كبريتيد الكربون (CS2) وكبريتيد الكربونيل (COS) والتولوين، بالإضافة إلى بعض المعادن مثل الزئبق والكروم والزرنيخ وبعض الغازات الحامضية مثل الكبريت، تساهم كل تلك المواد في زيادة خطر الإصابة بالأنواع المختلفة للسرطان، خصوصًا سرطان الغدة الدرقية.
كشف تقرير إلى أنّ الحرق يتسبب بشكل سنوي في حدوث حوالي 49 حالة وفاة مبكرة وحوالي 4960 مرضًا تنفسيًا بين الأطفال و 120 نوبة ربو، لذا لا بدّ من إنهاء هذه الظاهرة ووقاية الأشخاص المعرضة لها عبر دراسة جزءًا من تأثير إدارة المخاطر في صناعة النفط والغاز.
على الرغم من أهمية الآثار السابقة وخصوصيتها، إلا أنّ الجانب الاقتصادي مهم جدًا أيضًا، إذ يمكن أن يؤثر حرق الغاز على اقتصاد الدولة بشكل كبير، من حيث كسب عائدات وأموال طائلة من بيع تلك الغازات في حال حافظت عليها بدلًا من خسائر الحرق، فضلا عن الفرص الاستثمارية الكبيرة في القطاع الخاص في حال تم استغلال هذا الغاز المحترق.
على سبيل المثال، تحرق شركات النفط في نيجيريا حوالي 2.5 مليار قدم مكعبة من الغاز يوميا، وهذا يعني حدوث مليارات الخسائر السنوية تزيد عن 2.5 مليار دولار.
بالرغم من أنّ حرق الغاز يعتبر أمرًا لا مهرب منه في بعض الظروف والحالات، إلا أنّه يوجد الكثير من الحلول التي تتيح للشركات العاملة في صناعة النفط والغاز بتحويل ذلك الهباب إلى نقود، الأمر الذي يعود بفوائد كبيرة على أرباحهم وبيئتهم على حد سواء.
تقليديًا يُجمع الغاز المصاحب ويُنقل عبر خطوط أنابيب الغاز، وهذا يعتمد على حجم الغاز المنقول، إن كانت الكمية المُجمّعة وفيرة يتم ذلك وإلا فإنّه يُحرق، لكن يمكن إضفاء بعض الحيوية على ذلك.
يمكن إيجاد بعض الطرق البديلة لتحقيق خفض في كمية الحرق، مثلًا إعادة حقن الغاز المستخرج إلى الآبار مجددًا أو بناء بنى تحتية تفيد في التقاط الغاز وتجميعه وتخزينه ومن ثمّ نقله عندما تُصبح الكمية كبيرة، في الوقت ذاته يجب تضافر جهود الحكومات والمجتمع الدولي لوضع سياسات ولوائح فعالة لتقليل حرق الغاز، بل إيقاف ذلك إن أمكن، إضافةً إلى اتخاذ القرار واعتبار نفسها مسؤولة بشكل أساسي عن أزمة كهذه.
حظيت المبادرة المقدمة من قبل البنك الدولي للقضاء على حرق الغاز بحلول العام 2030 بتأييد ودعم عدد من قادة الصناعة الدولية والدول البارزة المنتجة للنفط التي أكدت التزامها بتطبيق المبادئ الأساسية للمبادرة.
ختامًا
ما زال الاعتماد قائمًا على اتباع أساليب حرق الغاز في عدة بلدان عربية وعالمية، منها ما يتخذ بعض الإجراءات المخففة للآثار السلبية عن تلك العملية ومنها ما يتجاهل ذلك كليًا، إلا أنه أصبح من الواجب التعمق أكثر في هذا المجال لمعرفة كيف يمكن استبدال بعض عمليات حرق الغاز بطرق أكثر وقاية وأقل أضرارًا وهذا ما يمكنك اكتسابه من خلال حضور دورات تدريبية في النفط والغاز في اسطنبول.