نُشِر في Oct 24, 2024 at 03:10 PM
تقبع جوهرة النفط البحري السفانية في قلب مياه الخليج العربي، حقل السفانية السعودي اكبر حقل نفطي بحري في العالم، هذا الحقل المُكتشف في أوائل خمسينات القرن الماضي أصبح علامة فارقة في صناعة النفط في العالم منذ لحظة اكتشافه، وعنصر رئيسي للسعودية لترسيخ موقعها على لوائح الاقتصاد العالمية لتكون واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط عالميًا ودعم اقتصادها الوطني.
يستعرض المقال التالي مجموعة من التفاصيل حول الحقل الأكبر من حيث الاحتياطات النفطية بحريًا، بدايةً من تاريخ الاكتشاف الأصلي وصولًا إلى الاستثمارات المستقبلية التي تهدف إلى الحفاظ على إنتاجه وتعزيز استدامته.
يقع حقل السفانية أكبر حقل نفطي بحري في العالم في شمال غرب من الخليج العربي قبالة سواحل مدينة الظهران الواقعة شرق المملكة العربية السعودية على بعد 260 كيلو متر، والذي يمتد بطول 50 كيلومتر وعرض 15 كيلومتر ويمتد على مساحة تبلغ حوالي 750 كيلومترًا مربعًا، هذه المساحة الشاسعة تبرر الأهمية الكبرى لهذا الحقل كأكبر حقل نفطي بحري، كما أنّه يحتوي على كميات من الغاز الطبيعي أيضًا.
وتقدر الدراسات المؤكدة أنّ احتياطي الحقل من النفط القابل للاستخراج تصل إلى ما يقارب 34 مليار برميل، وذلك ما يجعله أحد أكبر الاكتشافات النفطية في التاريخ، كما يتميز بوجود احتياطي الهيدروكربونات على عمق متوسط بين 10 و15 مترًا، ويعتبر هذا عنصر هام لإجراء عمليات الحفر والاستخراج البحرية بشكل أكثر كفاءة مقارنةً بالحقول البحرية الأعمق.
ذكرت المقالات والدراسات المُقدمة من قبل شركة أرامكو التي تدير وتمتلك حقوق الاستخراج والإنتاج من حقل السفانية بأنّه اكتشف سنة 1951، في وقت اكتشاف حقل الغوار البري الذي يعد أكبر حقل نفط بري في العالم.
بدأت عمليات إنتاج النفط من الحقل بعد ذلك بعدة سنوات بشكل جزئي وتحديدًا في عام 1957، بالرغم من أنّ تقنيات الاستخراج المتوفرة في ذلك الوقت كانت محدودة نسبيًا إلا أنّ طاقته الإنتاجية كانت لافتة للنظر منذ تلك السنوات، بدأ السفانية بنحو 50,000 برميل يوميا، وهو في الواقع رقم ضخم مقارنةً بحقل بحري في تلك الفترة، بالرغم من التحديات التقنية واللوجستية التي كانت تعرقل عمليات النفط والغاز البحرية في مثل هذه البيئة الصعبة.
عملت أرامكو على توسعة الحقل على عدة مراحل فيما بعد لزيادة إنتاجها الكلي من النفط والغاز ومع تجاوز الطلب على الطاقة إلى أعلى مستوياته مؤخرًا وبهدف تعويض التراجع الطبيعي الذي يصيب الحقول مع تقدمها بالعمر، ركزت معظم مشاريع التوسعة لحقل السفانية على تحسين المرافق بمختلف أنواعها، سواء منشآت تجميع النفط الخام أو محطات الكهرباء اللازمة لتشغيل المنصات البحرية وتطوير رؤوس الآبار وتركيب مضخات غاطسة كهربائية لتحسين عملية الرفع الاصطناعي.
تم تركيب منصة ربط TP-20 في ديسمبر 2012 لتجميع النفط الخام وتوفير الكهرباء في الجزء الشمالي من الحقل، وبحلول يونيو 2015 تم وصل كابل بحري بطول 46 كم من محطات فرعية إلى المنصة لتوفير طاقة تبلغ 152 ميجا وات.
وبحسب ما نقلته مجلة NS Energy، مُنحت أرامكو عقود لإنشاء منصة ربط جديدة TP-21 في العام 2016 و2017، بالإضافة إلى خط رئيسي بطول 25.5 كم، لتوصيل النفط إلى منصة فصل الغاز والزيت GOSP-1، كما تم التخطيط لإنشاء 10 منصات حديثة مع مضخات غاطسة لتحسين استخراج الاحتياطيات في الجزء الجنوبي من الحقل.
في الوقت الحالي تقترب ارامكو من المرحلة النهائية لاختيار أفضل المقاولين لنيل حقوق أهم عقدين كبيرين في مجال الهندسة والتوريد والبناء بمجال النفط والغاز من أجل توسيع البنية التحتية البرية لحقل السفانية النفطي، إذ وتبعًا لتحليلات Chemanalyst من المرجح أن تفوز شركة Larsen & Toubro الهندية بعقد بناء محطة فصل الغاز والنفط GOSP، فبينما تعتبر شركة هيونداي للهندسة والبناء من كوريا الجنوبية مرشحة للفوز بعقد يتعلق بالبنية التحتية والخدمات المساندة.
يهدف هذا التوسع إلى زيادة إنتاجية النفط من 1.3 مليون برميل في اليوم إلى 2 مليون برميل، والذي يشمل بناء 4 منصات تجميع رئيسية و29 منصة لرؤوس الآبار و22 منصة لحقن المياه، بالإضافة إلى تمديد خطوط أنابيب تحت الماء وكابلات مركبة للكهرباء.
بالرغم من أنّ رؤية المملكة للعام 2030 تسعى لتقليص اعتماد الدولة على النفط كمصدر دعم للاقتصاد الوطني، إلا أنّ حقل السفانية سيبقى عامل هام وحيوي للغاية في هذه الرؤية، لذا تسعى أرامكو للاستثمار في أي تقنية حديثة أو ابتكار جديد لتحسين الكفاءة الإنتاجية من خلال تطوير تقنيات الاستخراج وتحديث منصات الحفر وبناء بنية تحتية متطورة تُمكّنها من استغلال موارد الحقل بشكل أمثل.
من بين التقنيات المستخدمة، الغواصات ذاتية التشغيل التي تجري أعمال المسح السيزمي للقاع آليًا، مما يقلل من تكلفة ووقت جمع البيانات، كما تُستعمل أيضًا أحدث أدوات التحليل الرقمي والتقنيات لتقديم فهم أعمق لطبقات الأرض التي تحتوي على احتياطيات المواد الهيدروكربونية.
استثمرت ارامكو في أنظمة الحفر الذكي أيضًا التي تراقب وتُحلل أداء الآبار بشكل مستمر، مما يتيح التنبؤ بالمشكلات واتخاذ الإجراءات المناسبة سريعًا، ويقلل بدوره من التكاليف ويحسن كفاءة العمليات والإنتاج، يُمكن لمحاور دورات نفط وغاز تزويدك بتفاصيل أوفى ومعلومات أغنى حول أحدث التقنيات الصناعية في هذا المجال.
من جانبٍ آخر، يُعتبر الاستثمار في أنظمة الألواح الشمسية أيضًا جزءًا مهمًا من خطط الشركة، حيث يتم استخدامها على نطاق واسع لتوفير الكهرباء وتقليل الاعتماد على الوقود التقليدي، فقد حققت وفورات كبيرة في تكاليف الإنتاج نتيجةً للتخلي عن الأنظمة المنفصلة للطاقة الموجودة على اليابسة والمستخدمة لنقل الكهرباء من خلال كابلات تحت البحر إلى 19 منصة لحقن المياه.
لكن وعلى الرغم من جميع ما أُشيد به سابقًا إلا أنَّ عمليات الاستخراج والإنتاج من حقول السفانية تواجه تحديات بيئية كبيرة، بما في ذلك خطر التسرب النفطي وتأثيره على الحياة البحرية كون موقع الحقل يقع في منطقة غزيرة بالتنوع البيولوجي والطبيعي، وكذلك الانبعاثات الكربونية، لذا تسعى أرامكو إلى تقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن عمليات الإنتاج بنسبة 30% بحلول عام 2027، وتعمل في ذلك على استخدام أنظمة ذكية لتحليل البيانات البيئية في الوقت الفعلي للحد من التأثيرات السلبية.
ختامًا،
لا تتوقف أهمية حقل السفانية على أنّه اكبر حقل نفطي بحري في العالم وحسب، بل إنّه رمز وطني يدعم رؤية المملكة العربية السعودية لتحقيق التميز في صناعة النفط البحرية، وهو قادر على لعب دور حاسم في تزويد العالم بالطاقة لعقود قادمة إذا تم الاستمرار بالاستثمار في التكنولوجيا والابتكار حتى يكون داعمًا كبيرًا للاقتصاد الوطني بشكل مستدام.