الأثر البيئي للتسرب النفطي: لمَ علينا الحذر؟


إدارة البترول الدولية

نُشِر في Dec 23, 2022 at 02:12 PM


تُنتج حوادث التسرب النفطي آثارًا بيئيةً ومجتمعيةً وتجاريةً كبيرةً وطويلة المدى، نستعرض في هذا المقال كل ما يدور حول التسرب النفطي وتأثيراته على البيئة والاقتصاد والنظام البيولوجي للكائنات، تابع معنا.
 

ما هو التسرب النفطي وكيف يحدث؟ 

التسرب أو الانسكاب النفطي (Oil Spill) هو أزمة أو حادثة تؤدي إلى فقدان كميات مختلفة من النفط نتيجةً لخلل ما، وهو أمر قابل للحدوث في أي مكان يُستخرج منه النفط أو ينقل عبره أو يستخدم فيه، لذا يعتبر من الأمور المتكررة بشكل شائع بكثرة ويحدث بطرق مختلفة.

 

يمكن أن يكون التسرب صغيرًا مثل انسكاب بعض النفط خلال عملية إعادة تزويد سفينة ما بالوقود أو تفريغ حمولة السفينة، رغم أنّ كمية التسرب في هذه الحالة صغيرة إلا أنّها تسبب أضرارًا كبيرة، لا سيما إن حدثت ضمن بيئة حساسة مثل الأراضي الرطبة والشواطئ والمناطق التي تضم أشجار المانغروف.

 

بينما في بعض حالات التسرب الهائل، مثل حدوث كسر في هيكل الأنابيب الناقلة أو وقوع انفجار في ناقلات أو محطات النفط البحرية أو غرقها، أو أي خلل في عمليات الحفر، في هذه الحالات الخطيرة تكون النتائج وخيمة والضرر هائل مما قد يؤثر على النظام البيئي لعقود متتالية من الزمن.

 

ما هو النفط الخام ؟ 

يشير مصطلح البترول أو النفط الخام إلى مجموعة من مواد الهيدروكربونات النفطية والتي تكونت عبر آلاف السنين نتيجةً لتحلل مجموعة من بقايا النباتات والحيوانات المدفونة تحت طبقات الأرض والمحيطات، وهو أحد أنواع الوقود الأحفوري.

 

يتواجد النفط تحت الأرض أو تحت مياه البحار والمحيطات ضمن خزانات وآبار عميقة، حيث تكون قطرات النفط مخزنة في مسام وثقوب الصخور الطبيعية.

 

بعد اكتشاف وجود بئر نفطي تبدأ عملية التنقيب والحفر لاستخراج الموارد من مكامنها، ينتقل بعدها من خلال الضخ عبر خطوط وأنابيب أو عبر السفن أو القطارات أو الشاحنات إلى محطة أو مصفاة لمعالجته وتكريره، بعد الانتهاء من عملية التكرير نحصل على أشكال مختلفة من المشتقات البترولية مثل البنزين والديزل والكيروسين، بالإضافة إلى بعض المنتجات الأخرى مثل الأسفلت والزيوت.


 

ما هي الأضرار البيئية للتسرب النفطي؟ 

يهدد تسرُّب النفط البيئة بشكل كبير، يتعلق مقدار الضرر جراء الانسكابات بالأنواع الحيوانية والنباتية والموائل التي تعيش بالقرب من منطقة التسرب، بالإضافة إلى نوع النفط المُتسرب.

 

بمجرد أن ينتشر النفط على سطح الماء فإنّه يوقف وصول كميات كافية من ضوء الشمس للكائنات الموجودة تحت الماء ويقلل من كمية الأوكسجين المُذاب مع الماء، مما قد تسبب موت تلك الكائنات.

 

علاوةً على ذلك، للنفط المنتشر على ماء البحر تأثيره على الطيور المائية، حيث يمكن أن تلوث وتغطي البقع النفطية أجنحتها مما يعيقها عن الطيران أو يزيل خصائص العزل المائي للفراء والريش الأمر الذي قد يؤدي إلى موتها نتيجةً لانخفاض درجة حرارة أجسامها.

 

يتكون النفط من مجموعة من المواد الكيميائية السامة والتي قد يؤدي ابتلاعها من قبل الكائنات الحية إلى حدوث مشاكل خطيرة، حيث يمكن أن تؤثر على عمل الجهاز المناعي أو تُتلف القلب أو توقف النمو، وقد تنتهي بالموت.

 

للنباتات حصتها أيضًا من الانسكابات النفطية، خاصةً أشجار المانغروف والمستنقعات المالحة على اعتبارهما من النظم الإيكولوجية ساحلية بارزة يعانيان بشكل دائم من التسربات.

 

غالبًا ما تحدد الآثار البيئية المباشرة للتسربات النفطية بسهولة بعد حدوثها، لكن التقييم الدقيق لتأثيرها على النظام البيئي على المدى الطويل من الصعب توقعه.



هل يؤثر التسرب النفطي على الاقتصاد؟

الجواب باختصار نعم بالتأكيد، إذ لا يتوقف الأمر على دفع التكاليف الباهظة لعمليات التنظيف التي تُكلف مليارات الدولارات في حالة التسربات الكبيرة، بل أيضًا التأثيرات طويلة الأجل لتلك التسربات لديها عواقب اقتصادية كبيرة.

 

من الأمثلة على ذلك، عندما يحدث تسرب في دولة سياحية تعتمد على السياحة في نموها الاقتصادي سوف ينخفض عدد السياح القادمين إليها مما يؤثر على اقتصادها، أو في دولة تعتمد على الصيد على الأغلب سوف تتوقف رحلات الصيد حتى تتعافى المنطقة التي حدث فيها التسرب، الأمر الذي سينعكس بشكل مباشر على اقتصادها.

 

في أغلب الحالات تكون الإجراءات القانونية المُطالبة بتعويضات عن الأضرار البيئية والاقتصادية، من الشركات التابعة لها الناقلات، مرهقة وطويلة، خاصةً في الدول المحدودة الخبرة والتي لا تمتلك أُطر تشريعية للتعامل مع هكذا حوادث.


 

كيف تتم عملية تنظيف التسربات النفطية؟ 

ترتبط سرعة وأداء عملية التنظيف بعدد من العوامل وهي: سرعة استجابة فريق التنظيف والوقت المستغرق للوصول إلى المنطقة المتضررة والظروف الجوية السائدة ونوع النفط المتسرب وطبيعة الشاطئ القريب وحساسية البيئة.

في حال تمكّن طاقم التنظيف من الوصول إلى البقعة الملوثة خلال وقت قصير فأنّه سيكون قادر على احتواء المشكلة وقشط الملوثات بسرعة قبل وصولها إلى الخط الساحلي و بالتالي حماية المنطقة.

 

يستخدم الطاقم أدوات ووسائل ميكانيكية في عملية التنظيف، من تلك الوسائل الكاشطات وهي عبارة عن قوارب مُعدّلة لتسمح بإزالة طبقة النفط من أعلى الماء، بالإضافة إلى استخدام الأذرع الرافعة والتي هي عبارة عن حواجز عائمة تمنع انتشار النفط، في أحسن الحالات يُنظف فقط 40% من النفط المُتسرب باستخدام هذه الوسائل.

 

بمجرد أن تتسع رقعة التلوت ويصل التسرَّب إلى الشواطئ تُصبح عملية التصنيف أصعب بكثير، غالبًا ما تُستخدم حملات التنظيف اليدوية عند اقتراب النفط من الساحل، في محاولة لإبعاد الحياة البرية عن التلوث، تُستخدم بالونات ودمى عائمة في ذلك.

 

كيف يمكن الاستعداد للتسربات النفطية في المستقبل؟

يتوجب على الحكومات والشركات العاملة في صناعة النفط والغاز أن تواصل وضع الخطط المنهجية استعدادًا لتطبيقها مباشرةً عند حدوث أي خلل، وفهم ما يجب القيام به بسرعة عند حدوث أي تسرب نفطي مهما كان حجمه لمنع تفاقم الأمر.

 

في نفس الوقت يجب إجراء تدريبات دورية لكيفية الاستجابة السريعة عند حدوث تسرب محتمل خلال ساعات معدودة، إذ كلما كانت الاستجابة أسرع كلما كان ذلك أفضل وأقل تأثيرًا على البيئة.

 

تُصنف الاستجابة للتسربات النفطية بالمحلية لأنَّه يتم التعامل مع التسربات المحدودة محليًا، ومع التسربات الأكبر يجب الاستجابة على المستوى الوطني، لكن في حال الحوادث الضخمة يجب الاستجابة على المستوى الدولي.

 

ننصحك باتباع دورة إدارة البترول الدولية التي يقدمها مركز لندن بريمير للتدريب للاطلاع على المزيد من التفاصيل.


 

أكبر التسربات النفطية في التاريخ

خلال القرن الماضي كانت حادثة التسرُّب من ناقلة توري كانيون البريطانية قبالة السواحل الإنجليزية لمقاطعة كورنوال واحدة من أكبر حوادث التسرب، وقع ذلك في عام 1967م، وتسرب حينها أكثر من 119 ألف طن متري من البترول.

 

إحدى الحوادث المشابهة هي التسرب من ناقلة أموكو كاديز قبالة سواحل بريتاني الفرنسية، والتي تسرب منها 223 ألف طن متري من البترول ووقود السفن، حصل ذلك في عام 1978م.

 

أمّا في أمريكا الشمالية وتحديدًا في عام 1989م تسرب النفط من ناقلة نفط تابعة لشركة إيكسون فالديز ضمن مضيق الأمير ويليام مخلِفًا أضرارًا بيئية واقتصادية كبيرة، على الرغم من أنّ الكمية المتسربة أقل بكثير من باقي انسكابات النفط التي حصلت عبر التاريخ، إذ لم تتجاوز الكمية المُتسربة 37 ألف طن متري.

 

في التاريخ القريب، ما تزال منصة ديب ووتر هورايزون للتنقيب تحتل صدارة القائمة، حدث هذا التسرُّب في 20 من شهر أبريل للعام 2010م ضمن خليج المكسيك، في تفاصيل هذه الحادثة أدى ذلك الحادث إلى غرق المنصة ومقتل 11 عاملًا وتسرب طيلة الـ 87 يومًا كميات هائلة من النفط من بئر ماكوندو قُدرت الكمية بـ 4 مليون برميل. 



 

في الختام، التسرب النفطي هو كارثة خطيرة لا تؤثر على البلد المعني بها فقط بل تتطور لتؤثر على باقي المناطق، لتجنب حدوث الكوارث لا بدّ من أن يكون الجميع مسؤول عن الوقاية من هذه الكوارث، وتضافر الجهود المحلية والدولية عند حدوثه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه واعتباره قضية عامة.