نُشِر في Jul 31, 2023 at 11:07 AM
التضخم الاقتصادي شيء وارد في أي مكان حول العالم، دول كثيرة عانت منه على مر العصور، لكن قلة قليلة منهم حدث لديهم التضخم المفرط، خاصةً في الدول النامية على غرار لبنان وفنزويلا وزيمبابوي والأرجنتين وغيرها.
لكن ماذا يُقصد بالتضخم المفرط وبماذا يختلف عن التضخم العادي هذا ما سنتعرف عليه في مقالنا التالي، تابع معنا.
يُعرف مصطلح التضخم المفرط أو الجامح بأنّه ظاهرة اقتصادية مدمرة تؤدي إلى انهيار دائم ومتسارع ﻓﻲ قيمة المال، يحدث عندما تكون أسعار السلع والخدمات والمواد في زيادة سريعة جدًا خلال اليوم الواحد بل خلال ساعات معدودة، أي بمعنى آخر أن تدفع ثمن منتج ما في الصباح وفي فترة بعد الظهر ضعف الثمن، مما يسبب الانكماش الاقتصادي.
يدفع التضخم المفرط الناس إلى صرف أموالهم لشراء منتجات أو حاجيات وممتلكات تعوض لهم فقدان المال لقيمته، ومع ذلك يصبح هناك تداول سريع للمال، الأمر الذي يفاقم المشكلة.
يجب التمييز ما بين التضخم المفرط والمرتفع، يصف التضخم المرتفع النمو المتزايد الذي لا تتجاوز قيمته 10% أو أكثر قليلًا خلال عام واحد، بينما يشير التضخم المفرط إلى أن مؤشر أسعار المستهلك (CPI) ارتفع لقيم تتجاوز 50% شهريًا، التضخم المرتفع له استراتيجيات يمكن من خلالها التعامل مع الأمر لكن التضخم المفرط ترتفع الأسعار بطريقة جنونية خارج عن السيطرة، أي يمكن للدول أن تعاني من تضخم مرتفع لعدة سنوات دون أن يتحول إلى تضخم مفرط.
يقول اقتصاديون أنّ السبب في حدوث تضخم مفرط يعود إلى قلة الثقة في الحكومة ومؤسساتها العامة خاصةً في ظل وجود أزمات سياسية كبيرة.
الأمر الجيد أنّ التضخم المفرط أمر نادر الحدوث إذ أشارت القائمة التي وضعها الاقتصاديان من معهد كاتو ستيف هانكي ونيكولاس كروس في عام 2013 إلى 56 حالة مسجلة فقط عبر التاريخ للتضخم المفرط، كانت أول حالة في العام 1796 في فرنسا ومن ثمّ أضيفت فنزويلا مؤخرًا إلى القائمة ليرتفع عدد الحالات إلى 57.
للتضخم المفرط سببين رئيسيين هما، زيادة المعروض النقدي الذي يحدث عندما تطبع الدولة المزيد من النقود في محاولة للوفاء بالتزاماتها، مما يسبب ارتفاع في الأسعار مثلما يحدث في التضخم العادي.
السبب الآخر للتضخم هو العرض والطلب المتزايد نتيجةً لزيادة الإنفاق الاستهلاكي أو الحكومي أو ارتفاع الصادرات بشكل مفاجئ.
تعود ندرة التضخم المفرط إلى أنه قبل أن يحدث، يجب أن تمر الدولة بسلسلة أزمات مالية التي تدار بطريقة غير فعالة، بغض النظر هناك أربع مراحل أساسية تشير إلى أنّ التضخم المفرط سيحدث، وهي:
هي مرحلة تراكم كميات كبيرة من الديون على الدولة وانخفاض التمويل بسبب عجز حكومي أو بسبب تمويل الحروب، سواء ديون عامة أو خاصة أو كلاهما، والتي غالبًا ما تكون في النقد الأجنبي (الدولار).
الضرر الذي يلحق بالدولة بسبب تلك الأزمة، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم مالية، من شأنه التأثير على القدرة الإنتاجية وإضعافها، مما يسبب انخفاض الدخل الضريبي الحكومي، الأمر الذي يهدد بحدوث عجز مالي داخل الدولة ويبدأ سعر العملة بالانخفاض مقابل العملات الأخرى ليبدأ اﻟﺘﻀﺨﻢ بالارتفاع.
تواجه الحكومات خطر فقدان الثقة مع تفاقم العجز المالي وحدوث أزمة اقتصادية حقيقية القائمة في البلاد، وبالتالي تفقد القدرة على الاقتراض من الأسواق المالية أو من المواطنين، مما يدفعها إلى طباعة كميات كبيرة من الأموال من خلال البنوك المركزية للاستمرار في تمويل التزاماتها.
بمجرد الاعتراف بطباعة نقود جديدة تفقد حكومة الدولة آخر نقاط ثقتها وتبدأ العملات بالانهيار المتسارع والتضخم يزداد بالمقابل بنفس السرعة.
يؤثر التضخم المفرط على كل من الأفراد والاقتصاد المحلي والعالمي كثيرًا، والذي من الممكن أن يكون مدمر لهما، إذ يعمل التضخم على خفض قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، الأمر الذي يدفع الناس إلى تحويل عملاتهم إلى نقد أجنبي أو مدخرات كالذهب والمجوهرات للحفاظ عليها.
يعمل التضخم أيضًا على تغيير سلوك المستهلكين فهم لن يكونوا قادرين على تحمل تكاليف شراء الأشياء والمواد الأساسية بالنسبة لهم، مما يدفعهم إلى تخزين ما يمكنهم تخزينه من مواد غير قابلة للتلف عندما يشعرون بأنّ هناك تضخم حقيقي قادم، إذا استمرت الأزمة فإنهم يخزنون المنتجات القابلة للتلف مثل الغذاء والشراب وغيرها، الأمر الذي يزيد من سرعة حدوث التضخم لزيادة الطلب على المنتجات.
يتسبب التضخم في خسارة الأفراد لمدخراتهم نتيجةً لفقدان المال لقيمته، الأمر الذي يؤثر كثيرًا على كبار السن أو المتقاعدين الذين لا يستطيعون العمل لجني المال.
ناهيك عن الضغوطات النفسية الكبيرة التي يتعرض لها الأفراد نتيجةً لعدم القدرة على الاستمرار في دفع تكاليف الحياة الأساسية، الأمر الذي يزيد من ﻣﻌﺪل العنف والجريمة في المجتمع.
أمّا بالنسبة للأعمال التجارية، فإنّ التضخم المُفرط الناتج يوقف أحلام العديد من رواد الأعمال الحديثين الراغبين في دخول سوق العمل وطرح منتجات جديدة تنافس المنتجات القديمة وتدفعها للتحسين، نتيجةً لذلك يتجه هؤلاء إلى طلب التمويل المستدام من الشركات القوية الأمر الذي يعرف على أنه أحد أنواع الاحتكار في سوق العمل.
يدفع التضخم المفرط أصحاب الأعمال إلى إعادة التفكير في خطط وسياسات العمل لديهم وتقليصها في كثير من الأحيان، وبالتالي قيامهم بتسريح الموظفين وحدوث معدلات بطالة جماعية عالية، يمكن أن تساعد دورة من دورات تدريبية في التمويل في باريس في توفير تمويل مستدام يمنع حدوث ذلك.
تتطلب عملية معالجة آثار التضخم المفرط مجموعة من الإصلاحات والاستراتيجيات لاستعادة الثقة في الاقتصاد، من تلك الاستراتيجيات ما يلي:
ختامًا،
يعد التضخم المفرط وضع اقتصادي قاتل يحدث في ظروف اقتصادية صعبة للغاية إمّا بسبب السياسات النقدية والمالية الفاشلة أو نتيجة لبعض الظروف الخارجية كالحروب والحصار وغيرها، لكن في كلا الحالتين يكون له عواقب اقتصادية سلبية طويلة الأمد تؤثر على البلاد وتضعف من قوتها الاقتصادية،
إلا أنه ومن خلال فهم تلك الأسباب والعواقب يمكن لواضعي الخطط والسياسات المستقبلية للدول تجنب الوقوع به والتخفيف من ذلك الارتفاع الكارثي وأثره على الاقتصاد والمجتمع ككل.